التشهير الإلكتروني

تُعَدُّ ظاهرة التشهير الإلكتروني من أخطر أنواع الجرائم المعلوماتية التي تستهدف سمعة الأشخاص وتضرّ بكرامتهم، حيث تنتشر عبر وسائل التواصل الاجتماعي والمنصّات الرقمية بسرعة هائلة. و


أولًا: تعريف التشهير الإلكتروني وأهداف مكافحةه

  1. التعريف القانوني
    يقصد بـالتشهير الإلكتروني نشر بيانات أو معلومات كاذبة أو مضللة عن شخص أو جهة عبر الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي بقصد الإضرار بسمعتهم، سواء كان ذلك في شكل منشورات نصية أو صور أو فيديوهات أو حتى تغريدات سريعة.
  2. أهداف تحريم التشهير الإلكتروني
    1. حماية حق الفرد في سمعة طيبة والحفاظ على كرامته.
    1. ردع الاعتداء على الحقوق الشخصية عبر القنوات الرقمية.
    1. تعزيز الثقة بين المستخدمين والمنصّات الرقمية.
    1. مكافحة انتشار الشائعات والأخبار الكاذبة التي تضر بالمجتمع.

ثانيًا: الإطار التشريعي الوطني

  1. نظام مكافحة الجرائم المعلوماتية (1438هـ)
    ينص في مادته السادسة على معاقبة مَن يُقدم على “إرسال محتوى يمثل إضراراً بالآخرين أو تشهيراً بهم” بالحبس لمدة لا تزيد على سنة، وبغرامة تصل إلى مليون ريال، أو بإحدى العقوبتين.
  2. نظام المطبوعات والنشر (1421هـ)
    يُلزِم الناشرين الإلكترونيين والحسابات الرسمية بالحصول على ترخيص، ويُطبق على المواقع الإلكترونية عقوبات صارمة في حالة نشر “إشاعات أو ادعاءات كاذبة” تمس شخصيات عامة أو خاصة.
  3. نظام الإجراءات الجزائية
    يكفل حق الضحية في تقديم بلاغ ضد مرتكبي التشهير الإلكتروني ويُسهل سرعة إحالة القضية إلى النيابة العامة، مع ضمان سرية التحقيق لحماية سمعة المشتبه به إلى حين صدور الحكم.
  4. القانون المدني (العقود والالتزامات)
    يفتح الباب أمام المطالبة بالتعويض المدني للأضرار المعنوية والمادية التي لحقت بسمعة الضحية، استنادًا إلى مبادئ المسؤولية التقصيرية.

ثالثًا: الاتفاقيات والمواثيق الدولية

  1. العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية (ICCPR)
    يكفل المادة 17 “حق الفرد في الخصوصية” ويمنع التعرض غير القانوني للحياة الخاصة، بما في ذلك نشر بيانات شخصية قد تصل لحد التشهير.
  2. اتفاقية بودابست لمكافحة الجريمة الإلكترونية
    توصي الدول الأعضاء بتجريم “المحتوى المسيء أو التشهير” ونشره عبر الحدود، وتعزيز التعاون الدولي في تعقب الجناة.
  3. مبادئ منظمة الأمم المتحدة
    تشدد على ضرورة حماية حرية التعبير مع موازنة ذلك بحقوق الأفراد في السمعة وعدم التعرض للتشهير دون دليل.

رابعًا: الأبعاد الرقمية لظاهرة التشهير الإلكتروني

  1. وسائل التواصل الاجتماعي
    تتميز بانتشار واسع وسرعة فائقة في نقل المعلومات، ما يضاعف تأثير التشهير الإلكتروني ويجعل معالجته تحديًا قانونيًا وتقنيًا.
  2. الرسائل المجهولة والبوتات
    تستخدم الحسابات الوهمية أو الروبوتات لنشر شائعات بأعداد ضخمة (bots) مما يعمّق الضرر ويصعّب تحديد الجناة.
  3. المنصات التشاركية (Wikis – Forums)
    قد يُنشَأ محتوى تشهيري متنقلًا عبر عدة مواقع ومنصّات، ويصعب حذفه بالكامل أو تتبعه.
  4. التطبيقات اللامركزية والبلوك تشين
    رغم فوائدها في الخصوصية، قد يستغلها بعض المفسدين لنشر محتوى تشهيري يصعب إزالته بسبب طبيعة اللامركزية.

خامسًا: الإجراءات القانونية لمكافحة التشهير الإلكتروني

  1. تقديم البلاغ
    يتقدم الضحية ببلاغ عبر منصة “كلنا أمن” أو عن طريق رقم الطوارئ 911، أو عبر بوابة النيابة العامة الإلكترونية.
  2. تحقيق الأدلة الرقمية
    تستعين النيابة بجهات تقنية متخصصة (الهيئة الوطنية للأمن السيبراني) لاسترجاع السجلات (logs) والنسخ المحذوفة.
  3. الإحالة القضائية
    تُحال القضايا المثبتة إلى المحاكم الجنائية المختصة لرفع دعوى جنائية، ويجوز للضحية رفع دعوى مدنية تزامنًا في نفس المحكمة أو أمام المحكمة العامة.
  4. الأوامر الابتدائية
    يمكن للقاضي إصدار أمر بحجب المحتوى المضلل فورًا لحين الفصل في الدعوى، لحماية سمعة الضحية ومنع تمدد الضرر.
  5. التعويضات
    تحدد المحكمة قيمة التعويض عن أضرار السمعة وال credit الاجتماعي، وقد تتضمن مصاريف النشر والإعلان بتصحيح المعلومات.

سادسًا: التنسيق المؤسسي بين الجهات

  • النيابة العامة: استلام البلاغات وتشكيل فريق التحقيق الأمني.
  • الهيئة الوطنية للأمن السيبراني: تقديم الدعم الفني وتحليل الحوادث المعلوماتية.
  • وزارة الإعلام: فرض حجب المحتوى والتوجيه بإزالة المنشورات المخالفة.
  • هيئة الاتصالات وتقنية المعلومات: متابعة المنصات المحلية وضمان التزامها بلوائح مكافحة التشهير.
  • المجالس القضائية المتخصصة: في بعض مناطق المملكة تُخصص دوائر للنظر في القضايا المعلوماتية لتسريع الفصل.

سابعًا: الإحصائيات والمؤشرات الوطنية

  • في عام 2023، بلغت عدد القضايا المحالة للنيابة عن جريمة التشهير الإلكتروني أكثر من 4,500 قضية.
  • أصدرت المحاكم ما يزيد على 3,800 حكم خلال 2023–2024، شملت الحبس والغرامات وحجب المحتوى.
  • ارتفع عدد دعاوى التعويض المدني 20% مقارنةً بالعام السابق، مما يعكس وعي الضحايا بحق التعويض.

ثامنًا: أفضل الممارسات العالمية

  1. آليات “الحق في النسيان” (Right to be Forgotten)
    تطبيقا للـGDPR الأوروبية، حيث يحق للفرد طلب إزالة بيانات تشهيرية من محركات البحث والمنصّات.
  2. نظام Take-Down Requests
    تعاون سريع مع مزودي الخدمة والمنصّات العالمية (Meta – Google) لحذف المحتوى المخالف خلال ساعات.
  3. المراجعة البشرية المدعومة بالذكاء الاصطناعي
    استخدام تقنيات AI لرصد المحتوى التشهيري وتصنيفه، ثم الرجوع لمراجعة بشرية قبل الإزالة.
  4. إطار عمل سياسة المحتوى (Content Policy)
    توضح على كل منصة قواعد واضحة لمنع التشهير الإلكتروني وعقوباته التدرجية للمخالفين.

تاسعًا: دور القطاع الخاص والمجتمع المدني

  • المنصات الرقمية:
    وضع بروتوكولات لإبلاغ المستخدمين وإزالة المحتوى الضار (Community Guidelines).
  • الغرف التجارية وجمعيات حماية المستهلك:
    تنظيم ورش عمل لأصحاب الأعمال حول الآثار القانونية للتشهير وتقديم الدعم القانوني.
  • المنظمات الحقوقية:
    تقديم استشارات مجانية للضحايا وتنظيم حملات توعوية حول مخاطر التشهير الإلكتروني وطرق الحماية.
  • الجامعات ومراكز البحث:
    إجراء دراسات عن اتجاهات الشائعات الإلكترونية وتأثيرها على الشباب والمجتمع.

عاشرًا: التحديات والحلول المبتكرة

  1. التحدّي: صعود الحسابات المجهولة
    1. الحلّ: إلزام مزودي الخدمات بحفظ سجلات الهوية والتحقيق الفوري عند ورود بلاغ.
  2. التحدّي: انتشار المحتوى عبر الحدود
    1. الحلّ: عقد اتفاقيات تبادل معلومات مع “الإنتربول” والمنصّات العالمية لحجب المحتوى في المملكة.
  3. التحدّي: ضعف الوعي الرقمي
    1. الحلّ: إدراج مناهج “الثقافة الرقمية” في المدارس لتعريف الطلاب بمخاطر التشهير وحقوقهم القانونية.
  4. التحدّي: تأخر إجراءات الحذف
    1. الحلّ: سنّ نظام قضائي إلكتروني يتيح إصدار أوامر الحجب والتعديل خلال 24 ساعة.

حادي عشر: توصيات استراتيجية لتعزيز مكافحة التشهير الإلكتروني

  1. إنشاء بوابة وطنية موحدة للتبليغ عن التشهير الإلكتروني وربطها تلقائيًا بالنيابة والهيئات الرقابية.
  2. اعتماد معايير ISO/IEC 29100 لحماية الخصوصية وإدارة البيانات الشخصية في الجهات الحكومية والخاصة.
  3. تفعيل برامج “الحقوق الرقمية في الجامعات لتخريج كوادر قادرة على التصدي للقضايا المعلوماتية.
  4. التعاون مع المنصّات العالمية لإنشاء مراكز خدمة محلية للتعامل مع طلبات الحجب والاستفسارات.
  5. إطلاق حملات توعية مستمرة عبر الإعلام التقليدي والرقمي لتعريف الجمهور بجرم التشهير الإلكتروني وطرق الوقاية.

خاتمة

يُشكّل التشهير الإلكتروني تهديدًا حقيقيًا لحقوق الأفراد وسمعتهم، ويتطلب إطارًا قانونيًا وتقنيًا ومؤسساتيًا متكاملاً للتصدي له. من خلال تحديث الأنظمة، وتعزيز التنسيق بين الجهات، وتبني أفضل الممارسات العالمية، يمكن للمملكة العربية السعودية حماية مواطنيها وضمان بيئة رقمية آمنة ونزيهة.

وفي ختام مقالنا شركة المحامي الدكتور سعود آل طالب وجميع من يعملون به جاهزون على مدار الساعة للرد على كافة استشاراتكم القانونية الدقيقة.

  • الجوال: / 966506330044
  • البريد الإلكتروني satlaw.com.sa@gmail.com :
  • زيارة مقر الشركة في أحد فروعنا بالمملكة العربية السعودية.

لا تعليق

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *