آداب الذوق العام في السعودية: مسؤولية فردية ومجتمعية لضبط السلوك الحضاري

آداب الذوق العام في السعودية

تُعد آداب الذوق العام من الركائز الأساسية في بناء مجتمع متماسك ومتحضر، حيث تتجلّى في مظاهر الاحترام المتبادل، واللباقة في التعامل، والالتزام بالسلوكيات العامة التي تعكس القيم الإسلامية والثقافية المتأصلة في المملكة العربية السعودية. وقد حرصت الدولة، من خلال نظام الذوق العام الصادر عام 1440هـ، على تنظيم هذه الآداب وتحديد معاييرها، وفرض العقوبات على من يخرقها بما يضر بالصالح العام أو يتسبب في الإزعاج أو الإساءة للآخرين. في هذا المقال المطول، نُسلّط الضوء على مفهوم آداب الذوق العام، أهميتها، أمثلتها الواقعية، أطرها النظامية، آثار مخالفتها، وأفضل الطرق لترسيخها في المجتمع.


أولًا: مفهوم آداب الذوق العام

آداب الذوق العام هي مجموعة من التصرفات والسلوكيات التي يتّبعها الفرد في الأماكن العامة والفعاليات والمرافق الحكومية والخاصة، بحيث تُعبّر عن التهذيب، والاحترام، والالتزام بالأنظمة. وهي لا تقتصر على ما هو مكتوب أو منصوص عليه، بل تشمل ما جرى عليه العرف من تعامل لبق وسلوك حضاري يراعي مشاعر الآخرين ومصلحة المجتمع.

وتنبع هذه الآداب من الشريعة الإسلامية، حيث قال النبي ﷺ:

“إن من أحبكم إليّ وأقربكم مني مجلسًا يوم القيامة أحاسنكم أخلاقًا.”


ثانيًا: الأطر النظامية الناظمة للذوق العام

أصدرت المملكة نظام المحافظة على الذوق العام، وهو أول تشريع يُحدّد سلوكيات الأفراد في الأماكن العامة، ويُقر غرامات على من يخالف تلك السلوكيات. وقد تضمن هذا النظام:

  • تعريفًا واضحًا للذوق العام بوصفه مقياسًا للقيم المجتمعية.
  • قائمة بالأفعال الممنوعة في الأماكن العامة.
  • عقوبات تدريجية وفق تكرار المخالفة وجسامتها.
  • تمكين الجهات المختصة من رصد المخالفات وتحريرها إلكترونيًا أو ميدانيًا.

كما دعمت اللائحة التنفيذية الصادرة عن وزارة الداخلية هذا النظام بتفصيل آليات التبليغ، والتظلم، وتحديد حالات الإحالة إلى النيابة العامة.


آداب الذوق العام في السعودية

ثالثًا: أمثلة على آداب الذوق العام في السعودية

  1. الملبس المحتشم
    1. ارتداء ملابس مناسبة لا تتنافى مع الحشمة أو القيم الاجتماعية، وتجنب الملابس الشفافة أو التي تحمل عبارات أو صورًا غير لائقة.
  2. الهدوء في الأماكن العامة
    1. تجنب رفع الصوت أو التحدث بصراخ، واحترام الهدوء في المساجد، والعيادات، والمكتبات.
  3. التعامل اللبق مع الآخرين
    1. استخدام كلمات الاحترام مثل “من فضلك”، “شكرًا”، وتجنب الإهانات أو التهكم.
  4. الحفاظ على النظافة
    1. الامتناع عن إلقاء المخلفات في الطرقات، أو تشويه الجدران بالكتابة أو الرسم.
  5. احترام الصفوف والانتظام
    1. عدم تجاوز الآخرين في الطوابير أو الاستعجال بطريقة تضر بمصالح الغير.
  6. التصوير والخصوصية
    1. الامتناع عن تصوير الأشخاص دون إذن، خصوصًا في الأماكن العائلية والمناسبات الخاصة.
  7. التصرف المناسب في المرافق
    1. عدم إتلاف أو العبث بممتلكات عامة أو خاصة مثل الحدائق والمقاعد والمجسمات الفنية.

رابعًا: أثر الالتزام بآداب الذوق العام على المجتمع

  1. رفع جودة الحياة
    يسهم التزام الأفراد بالآداب العامة في خلق بيئة آمنة وودية في الشوارع، الحدائق، الأسواق، والمرافق العامة.
  2. تعزيز الانطباع الإيجابي
    خاصةً في ظل توافد السياح والزوار من الخارج، حيث تعكس هذه السلوكيات صورة حضارية عن المملكة.
  3. خفض النزاعات والمشكلات الاجتماعية
    من خلال الحد من التصرفات الاستفزازية، والممارسات الفردية التي قد تضر بالآخرين.
  4. نمو الاقتصاد السياحي والترفيهي
    البيئة المنظمة تحفز المستثمرين والسياح على زيارة المواقع العامة والفعاليات دون قلق.

خامسًا: العقوبات المرتبطة بمخالفة آداب الذوق العام

تفرض الجهات المختصة غرامات مالية تتراوح بين 50 و6,000 ريال حسب نوع المخالفة وتكرارها.
ومن بين المخالفات الشائعة:

  • اللباس غير اللائق: غرامة تبدأ من 100 ريال.
  • التلفظ بألفاظ نابية: غرامة تصل إلى 500 ريال.
  • التصوير دون إذن: قد تصل الغرامة إلى 1,000 ريال، وقد تُحال للنيابة في حال الضرر.
  • الإضرار بالمرافق العامة: غرامة قد تتجاوز 5,000 ريال.

وفي حال التكرار، تُضاعف العقوبات، ويمكن اتخاذ إجراءات إضافية كتوقيع تعهد خطي أو إحالة للمساءلة الجنائية.


سادسًا: التحديات التي تواجه نشر الذوق العام

  • ضعف الوعي لدى فئات الشباب والمراهقين خاصةً مع التوسع في استخدام وسائل التواصل والسلوكيات الغربية.
  • الخلط بين الحرية الشخصية والتصرفات العامة وهو ما يؤدي إلى تجاوزات بحجة حرية التعبير.
  • الاختلاف الثقافي بين الجنسيات المقيمة والزائرة ما يستدعي توعية خاصة متعددة اللغات.
  • غياب التربية السلوكية في بعض البيئات الأسرية والتعليمية مما يتطلب تدخلًا من المؤسسات الرسمية.

سابعًا: تعزيز آداب الذوق العام عبر التعليم والإعلام

  • إدراج موضوعات السلوك العام في المناهج الدراسية بمراحل التعليم العام والجامعي.
  • تنظيم حملات إعلامية دورية لتثقيف المجتمع حول آداب الذوق العام.
  • استخدام المؤثرين ووسائل التواصل الاجتماعي لتوصيل الرسائل السلوكية للشباب بأساليب جذابة.
  • إشراك الأسر في تعزيز التربية السلوكية عبر ورش عمل وحلقات إرشادية.

ثامنًا: توصيات استراتيجية لترسيخ آداب الذوق العام

  1. إصدار دليل موحد للذوق العام باللغتين العربية والإنجليزية، يوزع في المطارات والمدارس والفعاليات.
  2. إنشاء وحدة رقابة سلوكية في البلديات مهمتها تلقي البلاغات ومتابعة حالات الإخلال بالذوق العام.
  3. تحفيز القطاع الخاص لتبني ميثاق الذوق العام داخل منشآته، خاصةً في المجمعات التجارية والمقاهي.
  4. إطلاق تطبيق إلكتروني تفاعلي يتضمن اختبارات قصيرة ومكافآت رقمية للمستخدمين الملتزمين بالسلوك الحضاري.
  5. إقامة “أسبوع الذوق العام” سنويًا تحت إشراف وزارات التعليم والثقافة والداخلية، بهدف إشراك مختلف شرائح المجتمع.

خاتمة

إن آداب الذوق العام تمثل انعكاسًا مباشرًا لوعي المجتمع وتحضّره، وامتثال الأفراد لها يُعدّ واجبًا دينيًا، أخلاقيًا، ونظاميًا. ومع اعتماد المملكة العربية السعودية لنظام واضح يحكم السلوكيات العامة، أصبحت مسؤولية الأفراد والمؤسسات اليوم مضاعفة لترسيخ هذه القيم وضمان انتقالها للأجيال القادمة.
ولأن الذوق العام يبدأ من السلوك الشخصي لكنه ينتهي بتأثير مجتمعي شامل، فإن المحافظة عليه مسؤولية تشاركية بين الأسرة، المدرسة، الإعلام، وجهات الضبط القانوني.

وفي ختام مقالنا شركة المحامي الدكتور سعود آل طالب وجميع من يعملون به جاهزون على مدار الساعة للرد على كافة استشاراتكم القانونية الدقيقة.

  • الجوال: / 966506330044
  • البريد الإلكتروني satlaw.com.sa@gmail.com :
  • زيارة مقر الشركة في أحد فروعنا بالمملكة العربية السعودية.

لا تعليق

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *