نطقتُ الطلاق ولكن لم أوثقه رسيماً هل وقع الطلاق بذلك؟ يعتبر الطلاق من الأمور التي لها الأثر الكبير سواء على الأفراد والمجتمعات، ولقد اهتم الاسلام والشريعة الاسلامية والفقهاء بتوضيح أحكامه وتبيين حدوده ومع تقدم الحياة وتزامناً مع ظهور بما يسمى التقنين في البلاد العربية والإسلامية فقد ظهر ما يسمى بالطلاق الشفوي، فإذا كان الإنسان قد قام باختيار الانتفاع بحضارة زمنه بتوثيق وكتابة عقد الزواج وذلك لحفظ للحقوق والأنساب، أليس من البديهي أن يتبع الطلاق بنظام الزواج، وألا يعتد بالطلاق الشفوي بان يكون موثقا بعقد رسمي وأمام شهود؟! أسئلة كثيرة تداولتها بعض المحطات ، وفتاوى متضاربة لعلماء الدين تناقلتها وسائل التواصل الاجتماعي من خلال بطلان “الطلاق الشفوي”، والتي أحدثت بدورها نقاشاً كبيراً وأثارت حالة من اللبس ، بين الرأي الذى يؤكد بالبراهين والأدلة حول وقوع الطلاق الشفوي، وأنه أمر تواترت عليه الأمة منذ عهد النبي صلى الله عليه وسلم، وبين الرأي الآخر الذى يراه كالعدم سواء، مستنداً على آراء فقهية أخرى ترى أن فك رباط الزوجية فقد لا يكون الا بالطريقة نفسها وهو التوثيق والتأكيد أما المجادلة في هذا الموضوع بناء على الرؤية الفقهية، لا يقول به فقيه . وبيان ذلك ما يلي:
أولا : قول محدث القول بأن الطلاق الشفهي ولو كان صريح لا يقع إلا بالكتابة والتوثيق عند المأذون قول محدث في شرع الله ولم يقل به فقيه منذ أن نزل القرآن إلى عصرنا هذا ،فهذا القول مخالف لفقه الأمة طيلة ما لا يقل عن ألف وأربعمائة سنة، ومن المعلوم أنه لا يمكن أن يكون هناك احداث رأي جديد في الدين إن تطرق إليه الفقهاء قديما، لكن إن اختلفوا في مسألة، فلنا أن نتخير من أقوالهم ما يناسب عصرنا، أما إن كانت المسألة حديثة لم تحصل في زمانهم، فمن الخطأ أن نقف عند أقوالهم، بل يجب أن نقوم بالاجتهاد لزماننا ومجتمعاتنا من دون أن نتطلع إلى أقوالهم في المسألة، لكن لأن المسألة كانت موجودة عندهم في زمانهم، وأن نستحدث رأيا آخر، يعني أنه غاب عنهم علم وجهلوه، ولا يمكن القول بهذا عن زمن الصحابة والتابعين وتابعيهم ومن بعدهم، لأنهم أعلم منا بأمور الدين. على أن توثيق الزواج والطلاق لم يكن موجودا إلا في العصر الحديث، فقد كان الناس يتزوجون ويطلقون بلا كتابة وتوثيق ، لأنه كان هناك التوثيق الاجتماعي، فالرجل كان يذهب لبيت المرأة يطلب يدها من أبيها وتزف إليه، مع حضور الأهل وعمل الوليمة وتنتقل المرأة من بيت أبيها إلى بيت زوجها، فيقوم كل الناس من الأقارب والجيران بمعرفة ذلك .وكذلك الشأن في الطلاق، فإن الناس يعرفون أن المرأة طلقت من زوجها، إما بسماعهم ذلك بطريقة مباشرة ، أو بنقل الخبر إليهم، أو انتقال المرأة إلى بيت أبيها وتقوم بالأخبار أنها قد طلقت، وقد جاء التوثيق من باب حفظ الحقوق وليس من باب إنشاء الأحكام ، أو أن تتوقف الأحكام على التسجيل والتوثيق.
ثانيا: غير مطابق لإجماع العلماء إذا قال الرجل لزوجته: أنتي طالق، فهذا من الألفاظ الصريحة في الطلاق، التي تقع بلا أي خلاف بين الفقهاء، ولا يتوقف وقوع الطلاق على شيء مطلقا، حتى لو ادعى أنه لم يكن ينوي الطلاق يقع إذا كان باللفظ الصريح، لأن اللفظ الصريح ليس بحاجة الى نية.
ثالثا: كتابة الطلاق وتوثيقه وقد يخطر إلى ذهن بعض الباحثين إلى أن الطلاق لا يقع إلا عند المأذون استناداً على القول بإيقاع الطلاق بالكتابة، والطلاق بالكتابة محل خلاف بين الفقهاء، وهو واقع عند جمهور الفقهاء إذا تثبت أنه من الزوج نفسه، وأنه كان قد نوى الطلاق. غير أن هذا لا علاقة له بتوثيق الطلاق، لأن الحديث عن الطلاق بالكتابة هو ألا ينطق الزوج بالطلاق وإنما يوثقه دون نطق.
رابعا: وجوب الاشهاد على الطلاق ومما قد يعتمد إليه في القول بإيقاع الطلاق عند المأذون مما ذهب إليه بعض العلماء من توثيق الطلاق، علما أن تسجيل الطلاق مستحب عند جمهور العلماء وليس بواجب، حتى من قال إنه لابد من الإشهاد عليه هذا لا يعني وقوعه بدون إشهاد، بل يؤثم الزوج إن لم يقوم بتوثيق الطلاق مع وقوعه عند من قال بوجوب الإشهاد.
خامسا: التوثيق عند المأذون: فهو هو نوع من الشهادة على شيء تم حصوله، ولهذا قد نجد في الزواج مثلا أن المأذون يشهر الزواج، ثم يوثقه في الأوراق، فأن هناك فرقا بين إيقاع الطلاق وبين توثيق الطلاق، فقد يكون من المفيد أن كل من طلق أن يقوم بتوثيق الطلاق عند المأذون، لكن هذا لا يعني أن طلاقه لا يقع إلا عند المأذون. سادسا – مخاطر توثيق الطلاق إن من مخاطر توثيق الطلاق سرعة إنهاء الحياة الزوجية، على أن الطلاق إذا كان طلاقاً رجعيا ولم يكتب هذا يعني أن هناك فرصة لأن يرجع الرجل زوجته، أما إذا ذهب بها إلى المأذون وطلق، فكأنه بما يشبه الطلاق القضائي، فيتصور الأهل أنه لا يحل للرجل أن يرجع زوجته، أو يفهموا بأن الحياة الزوجية قد انتهت، بل توثيق الطلاق قد يقوم على التشجيع على عدم الرجعة إلى الحياة الزوجية مرة أخرى، وبهذا يتنافى المقترح مقصده من أساسه.
وفي ختام مقالنا شركة المحامي الدكتور سعود آل طالب وجميع من يعملون به جاهزون على مدار الساعة للرد على كافة استشاراتكم القانونية الدقيقة